كلمات الأنـــوار

غازي العريضي*

كتاب "تحية الى أنور سلمان- دراسات وشهادات"

بين أنور سلمان والكلمة علاقة روحية عاطفية راقية . أحبها وأحبته . أكرمها وعشقته فاستسلمت له !! تغزّل بها وتفنّن في حبها وأتقن إدارة علاقته بها . غزل منها أجمل وأرقى وأغلى الأبيات والقصائد فحاك أروع وأبدع وأرفع أثواب الشعر وهو يحاكي المرأة والمقاومة والشهداء والوجدان ويقرأ الحياة أمامنا !!

أنور سلمان فنـّان متألق في رسم لوحات مشاعره وحياته ، ومزج ألوان موهبته ، يأخذنا الى حيث نحب أن نكون ونقيم ولا نجرؤ على التعبير أو لا نعرف في غالب الأحيان كيف نعبّر بصدق ، عن صدق ووفاء وحب والتزام بقضية وقناعة . أنور ، عاش حياته بانسجام تام وعبّر بأجمل الكلمات التي صقلتها الألحان والأنغام ، وحملتها أنقى الأصوات الى القلوب والآذان ، فارتاحت بأمان في داخل كل واحد منا ، وكأن أنور تعمّد أخذنا الى عالمه وحياته  ، أما الحقيقة فقد كان هذا طموح كثيرين !!

أنور سلمان قيمة وقامة شعرية وأدبية وفكرية كبيرة أغنت حياتنا وذاكرتنا وتراثنا ، وكلماته ستبقى تحيي هذه الذاكرة وتنير الدروب وتفرح القلوب . إنها كلمات الأنوار في وجه كل ظلامية وظلم وسواد أفكار .

أنور ستبقى الكلمة تشتاق إليك وتحمل حبنا لك .

*كاتب ووزير سابق للثقافة والإعلام

لمناسبة الذكرى الأولى لرحيل أنور سلمان (الرملية  - الاحد 23 -نيسان، 2017)

غازي العريضي*

"كنت أقرأ للشاعر أنور سلمان قبل أن ألتقي به، ثم التقيت به وعرفته، فدخلت الى أعماقه، ثم التقينا فترة طويلة في رفقة جميلة في ايام صعبة في صوت الجبل، وكان لأنور في كل أمسية كلمات، وفي لقاء كلمات كانت ساعات وأيام جميلة افترقنا بعد تلك المحطة، وذهب كل منا الى حديقته، أنور سلمان استمر شاعرا أديبا كاتبا، وأنا ذهبت الى عالم آخر. أتعلم من أمثال أنور سلمان حب الكلمة وطريقة التعاطي معها. هذا الرجل صنع من خيوط الشمس، ومن ضوء القمر في الليالي الحالكة المظلمة وفي الأيام الظالمة، كلمات وأبيات شعر لقصائد شكلت حديقة متكاملة في كل جانب منها حديقة، لأن في عمر أنور وحقيقة أنور وداخله وأعماقه وفكره ولغته وعمله وأدبه وفنه وتألقه وحبه، مكانا لكل أنواع هذه الحدائق".أضاف "في حديقة أنور الكبرى تتحدث عن الحياة بكل ما فيها من مصاعب ومتاعب وفرح، وهو في داخله كان فرحا منسجما مع نفسه، ولو كانت أيام صعبة مرت عليه كانت قاسية، لكنه من الكلمات استمد قوة ليعبر بها، وعن هذه الأيام الصعبة بفرح كبير وبألم كبير، حديقة أخرى حديقة الوطن حديقة لبنان المعذب المظلوم في مرحلة من المراحل، بل فر مراحل كثيرة، وحديقة الإنسان اللبناني المعذب في وطنه، حديقة أخرى حديقة الوطنية بمعنى الإنتماء للبنان الواحد الموحد القوي بوحدته الوطنية، المظلوم بانقسامه أو محاولات تقسيمه وتفتيته وشرذمة أبنائه، حديقة الإنسان اللبناني الصافي الصادق الأصيل المتآخي مع أخيه وشريكه في القرية هذه، وفي غيرها من القرى على مدى الوطن كله، لأنه كان إنسانا وطنيا، لبنانيا صافيا صادقا بكل ما للكلمة من معنى".وتابع "حديقة أخرى من حدائقه، هي حديقة المرأة بحبها وسحرها وجمالها ومفاتنها وغزلها ورونقها وحياتها وعالمها وداخلها ومسكنها فيه ومعه، في هذه الحديقة تألقت المرأة وتفنن أنور سلمان في عشقها وحبها وإكرامها والتعبير عن مشاعره اتجاهها. قال كلمات وأبيات شعرا وقصائد غناها كثيرون، وهتف لها كثيرون وسهر معها وعليها كثيرون، المرأة في هذه الحديقة أخذت من أنور سلمان كل حقوقها، ولم تأخذ إلا القليل منها في وطننا".وأردف "حديقة أوسع وأرحب وجميلة وإن كانت مكسرة اليوم، حديقة العرب والعروبة، وأنور عاشها بصدق وإيمان قوي وعزيمة وصلابة، ورأى في كبرها وملهمها ومعلمها ورمزها كمال جنبلاط، رمز العروبة الحقيقية الوطنية الديمقراطية المنفتحة، الأكثر إنسانية، لا العروبة الظالمة المظلومة بحكامها وأنظمتها، والقاهرة لناسها، والمقهورة بحكامها وأنظمتها، لذلك قال في المعلم قولا كبيرا وكريما في كل المحطات، لا سيما بعد استشهاده وغيابه، وفي هذه العروبة كان لفلسطين الموقع الأوسع والأحب، وفي هذه الحديقة كان لها أيضا الموقع الذي تستحق، لأن فلسطين هي أساس الصراع وهي القضية الأم، وفي يوم التحية الى أنور سلمان، بإسمه بإسم كل الأحرار في هذه المنطقة وفي هذا الوطن، وفي هذه الأمة وما تبقى منها، نوجه التحية الى الأسرى الأحرار في فلسطين، الى الذين أضربوا عن الطعام في مواجهة الإحتلال الإسرائيلي، الى الصامدين الصابرين الى المقاومين والمؤمنين، الى الذين بالجوع يقاومون إسرائيل، وبالحجر يقاومونها في هذه الدولة الإرهابية. ممنوع عليك أن تجوع حتى لو اخترت أنت الجوع، أنور سلمان أعطى فلسطين في هذه الحديقة حقها، فبإسمه التحية لها ولأبنائها ولشهدائها وبكل الأسرى".واستطرد "أما المقاومة فلها حديقة خاصة ومميزة بحقها وجهادها ونضالها وأبطالها وشهداؤها، الذين أسقطوا أسطورة الجيش الذي لا يقهر، المقاومة الوطنية، التي عاشها أنور، وكل المقاومات التي تصدت للاحتلال الإسرائيلي، كان أنور وكان في حديقة أنور لها الموقع الخاص، تحية أيضا في يوم التحية الى أنور، الى كل الذين قاوموا الاحتلال الإسرائيلي، وأكرمهم وأكرمها أنور سلمان في كل كتبه وكلماته".وقال: "أما حديقة الإنسان التي رأى أزهارها في وجهوكم وفي هذه الأرض الطيبة وفي هذا المجتمع الكريم المميز، الذي يعطي الصورة الحقيقة عن الجبل، الذي رغم كل ما يمر فيه وعليه، يبقى جبل الأصالة والشراكة الحقيقية على قاعدة التنوع، ويبقى جبل الأخلاق والأصول والكرامة والوفاء والتعاون والتفاعل، ويبقى جبل لبنان، ونريده أن يبقى جبل شراكة وتنوع، وامن واستقرار لنحمي لبنان الكبير، ويبقى لبنان موحدا قويا منيعا صامدا في وجه كل ما يواجهه من تحديات في هذه المرحلة".أضاف "ومن هذا المنطلق وفي يوم التحية الى انور وفي ظل ما نعيش نوجه نداء وتحيات، نداء بعد موقفنا، الذي اعلناه بالامس، موقف اليد الممدودة والقلب المفتوح والعقل المنفتح، موقف العزيمة والارادة والتصميم على حماية التنوع في لبنان العزيمة والشراكة فيه".وتوجه إلى اللبنانيين بالقول: "ايها اللبنانيون، في كل مواقعكم ومناطقكم واحزابكم ومذاهبكم واطيافكم، لبنان يمر في مرحلة صعبة وحساسة وخطيرة، تعالوا لنتضامن لنتكاتف، تعالوا لعمل مشترك، ننتج من خلاله في هذه المرحلة بالذات، قانون انتخابات، في النهاية سنتفق عليه. تعالوا لعمل سريع لنتفق عليه الان، قبل ان ندفع اثمانا غالية، لان ما يحيط بنا، وما ينتظرنا، وما يخطط للبلد، وما يستهدف البلد، هو امر خطير سندفع ثمنه جميعا. تعالوا قبل فوات الاوان، لنتفق معا، ونرسم معا مستقبلا آمنا مستقرا لوطننا، يحمي اسسه وركائزه ووحدته الوطنية وانسانه واقتصاده ومستقبله واستقراره على كل الصعد".أضاف "هذا يحتاج الى كبار ويحتاج الى عقول كبيرة، لا يحتاج الى تشنجات وتصريحات مثيرة تحمل الطائفية والمذهبية والغريزة المقيتة، التي جربناها في عقود سابقة ودفعنا اثمانها وعلينا ان نتعلم مما جرى. تعالوا نعمل معا بعد قانون الانتخابات، لتنظيف هذه الدولة مما اشير اليه الان في مربعات الفساد، ولنزل النفايات لا ان نزيد الى قممها نفايات سياسية. سيلعننا التاريخ عليها وعلى اصحابها في المستقبل، لكن بعد دمار لبنان وتكسيره وبعد قتل الامل في نفوس ابنائنا وامامهم لبناء مستقبلهم الواعد".وأكد أن "هذه هي الامانة، وهذه هي المسؤولية. نحن في قلب هذا الموقع، نريد تكريس شراكة لا يلغى فيها احد، لا في اجتماع، ولا في اتصال، ولا في قرار، ولا في موقف، لاننا سمعنا منذ ايام ايها السادة، كلاما نعرفه في الداخل، لكننا نكابر ونتجاوز ونتحاهل وننسى وننجر وننساه وراء حساباتنا الصغيرة، لسنا بحاجة لان يذكرنا احد. ابرز مديري البنك الدولي منذ ايام في اميركا، يقول لوفد نيابي لبناني: اهلا بكم، لكن السفينة اللبنانية مصابة بثقوب كبيرة وكثيرة، سوف تغرق هذه السفينة ان لم تبادروا الى عمل شيء ما، تصحيح المسار الذي تسيرون عليه. لسنا بحاجة بعد كل الذي حل بنا، الى دروس من احد، صادقة كانت ام تحمل نيات وحسابات اخرى".وختم "اما التحيات: فالتيحة الاولى لك أيتها السيدة الفاضلة على صبر وايام صعبة وعلى تحمل غياب انور، والتحية لك على هذه العائلة الكريمة، من خلالك اوجه التحية للابناء الكرام، الذين بما قاموا به اليوم، قدموا انموذجا ورسالة الينا جميعا، كيف يكون الوفاء للاهل، لا سيما للمبدعين منهم، للرموز الذين مع كل علاقتهم الروحية باهلهم، ليسوا ملك انفسهم، هم ملك الوطن جميعا والامة والانسانية، لا سيما انهم من امثال انور سلمان. أنور سنبقى نشتاق اليك، نحبك، نرتاح اليك".

*كاتب ووزير سابق للثقافة والإعلام