الشِّعر في عُرس النجومِ الخُضر

وأبطالٌ كما العنقودُ عاشوا.

إذا رحلوا... فسيرتُهُم خمورْ!

مُرُّوا نُجُومَاً بِلَيْلِ الشِّعْرِ، وَانْسَكِبُوا

قَصَائداً لَمْ تُخَبِّئْ مِثْلَهَا الكُتُبُ

وَإِنْ بِلاَدٌ لَنَا ضَاعَتْ مَلامِحُهَا،

أَنْتُمْ لَها الجَبْهَةُ السَّمْراءُ، والهُدُبُ.

أَنْتُمُ لَها سُحُبٌ، والأَرْضُ قَدْ يَبِسَتْ،

وَليْسَ يُمْطِرُ... إِلاَّ الغَيْمُ والسُّحُبُ.

أَنْتُمْ، علَى صَدْرِها، وَرْدٌ وأَوْسِمَةٌ

فَلْتَرْتَفِعْ تَحْتَ خَفْقِ الرَّايَةِ النُّصُبُ!

يَا فِتْيَةَ النُّورِ... وَالأَيَّامُ حالِكَةٌ،

وَبِالظَّلامِ جَبِينُ الشَّرْقِ مُعْتَصِبُ.

وَيا نُسُورَ الفِدَا وَالجَوُّ مُعْتَكِرٌ،

وَالشَّمْسُ يَقْطُرُ من أَجْفَانِها التَّعَبُ...

بِكُمْ، وَأَزْمِنَةُ التَّحْرِيرِ مُلْتَفَتِي،

عَلَى الجُفُونِ زَمانُ الفَتْحِ يَنْكَتِبُ!

مَنْ قَالَ.. قَامَاتُكُمْ

لَمْ تَرْتَفِعْ شُعَلاً

                 هَلْ غَيْرُ هَامَاتِكُمْ

                 في لِيْلِنَا شُهُبُ؟

مَنْ قالَ .. أَصْوَاتُكُمْ لَمْ تَنْكَتِبْ عِبَراً،

وَلَمْ يُرَصِّعْ بِهَا أَوْرَاقَهُ الأَدَبُ!

فَلْتَصْمُتِ الخُطَبُ الجَوْفَاءُ، فِي وَطَنٍ

لَنْ تَسْتَرِدَّ لَهُ أَمْجَادَهُ الخُطَبُ.

وَلْيَسْقُطِ الشِّعْرِ مِنْ أَعْلَى مَنَابِرِه ...

يَوْمَ المَنَابِرُ كَفٌّ سَيْفُهَا خَشَبُ.

فَأَرْوَعُ الشِّعْرِ، صَمْتٌ حِبْرُهُ دَمُكُمْ...

بِنُبْلِهِ لِكِتَابِ الأَرْضِ يَنْتَسِبُ.

عَلَى اسْمِكُمْ ... لِجِبَال النَّارِ أُغْنِيَتي

مَعَازِفُ الرَّصْدِ في أَوْتَارِهَا اللَّهَبُ.

عَنَّيْتُهَا عِشْقَكُمْ لِلأَرْضِ... مَا عَرَفَتْ

أَهَزَّهَا جُرْحُهَا الدَّامِي، أَمِ الطَّرَبُ!

زَفَفْتُهَا وَعْدَكُمْ بالنَّصْرِ... فَارْتَفَعَتْ

عَلى مَشَارِفِهَا الأَبْرَاجُ والقُبَبُ.

أَنْتُمْ...

لَكُمْ مِنْ جِبَالِ النَّارِ عِزَّتُهَا،

وَالآخَرُون لَهُمْ مِنْهَا الذِي نَهَبُوا.

تَعِبْتُ مِنْ صُحْبَةِ التُّجَّارِ في وَطَنِي،

وَمِنْ حَضَارَةِ عَصْرٍ كُلُّهَا كَذِبُ،

وَأَدْعِيَاءِ شِعَاراتٍ مُزَيَّفَةٍ ...

بِالْمَالِ تُشْرَى، وَبالإِغْراءِ تُسْتَلَبُ.

تَعِبْتُ مِنْ ثِقَلِ المَأْسَاةِ... زَائِرَةً

بِكُلِّ ما حَمَّلَتْ أَعْطافَها الحِقَبُ.

مَأْسَاةُ لُبْنَانَ - مُذْ كانَتْ - عُرُوبَتُهُ

لِمُشْعِلِي نَارِهَا ... الكِبْرِيتُ وَالحَطَبُ

وَالجُرْحُ، مِنْدِيلُ عِشْقٍ حِيْكَ مِنْ دَمِهِ؟

فَهَلْ تُغَطِّي، حَيَاءً، وَجْهَها العَرَبُ؟

مُرُّوا نُجُومَاً بِلَيْلِ الشِّعْرِ... لاَ أَدَبٌ

قَبْلَ الذينَ بِهِ في عَصْرِكُمْ كَتَبُوا.

مُرُّوا مَواكِبَ تَحْريرٍ ... يَعِشْ وَطَنٌ

لا غَيْرَ تحْرِيرِكُمْ، أُمٌّ لَهُ وأَبُ!

تَقَلَّدُوا الحَقَّ سَيْفَاً... عِنْدَما وَقَفُوا،

وَأَسْرَجُوا النَّجْمَ خَيْلاً، عِنْدَما رَكِبُوا.

مَلاَمِحُ الجُرْحِ بَعْضٌ مِنْ مَلاَمِحِهِمْ،

وَفِي صُدُورٍ لَهُمْ يَسْتَوْطِنُ الغَضَبُ...

فَإِنْ بَدَا المَوْتُ كَرْماً مُثْمِراً، أَكَلُوا،

وَإِنْ بَدَا المَوْتُ نَبْعاً طَيِّباً ... شَرِبُوا.

إِنْ تَعْصِرِ الحَرْبُ مِنْ أَجْسَادِهِمْ دَمَهُمْ،

فَالخَمْرُ تَبْدَأُ...

                 لَمَّا

                    يَنْتَهِي العِنَبُ ... !

-أنور سلمان-